الأحد، 31 مايو 2015

الأمير عبدالقادر الجزائرى.. في ذكرى رحيله





26مايو يوافق ذكرى وفاة الأمير بن الأمير ؛ الأمير عبد القادر بن الأمير محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار ينتهى نسبه للحسن بن على بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مُؤَسِّس الدولة الجزائرية الحديثة، العالِمُ الفذ، الشاعرالجهبذ ، السياسي المحنك والمحارب والمجاهد الفارس الذى لايُشق له غُبار ، وُلِدَ عبد القادر الجزائري بمنطقة وهران في (23 من رجب 1222هـ= مايو 1807م) لأب عُرف عنه المعارضة للحاكم العثمانى فى الجزائرمما ترتب عليه وضعه رهن الاقامة الجبرية ثم خرج مع والده لأداء فريضة الحج فكانت رحلة الأمير عبد القادر إلى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد الشامية ثم بغداد، ثم إلى الحجاز، ثم العودة إلى الجزائر مارًّا بمصر وبرقة وطرابلس ثم تونس، وأخيرًا إلى الجزائر من جديد عام (1243هـ= 1828م)، فكانت رحلة تَعَلُّم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي في هذه الفترة من تاريخه، وما لبث الوالد وابنه أن استقرَّا في قريتهم قيطنة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تعرَّضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكَّنت فرنسا من احتلال العاصمة فعلًا في (المحرم 1246هـ= 5 من يوليو 1830م)، واستسلم الحاكم العثماني سريعًا، ولكنَّ الشعب الجزائري كان له رأي آخر.

والتف الشعب الجزائرى حول الأمير محيي الدين والد عبدالقادرالذى اضطلع بمسئولية القيادة العسكرية ، خاصَّة أنه حقَّق عدَّة انتصارات على العدوِّ، وقد كان عبد القادر على رأس الجيش في كثير من هذه الانتصارات، فاقترح الوالد أن يتقدَّم عبدُ القادر الجزائري لهذا المنصب، فقبل الحاضرون، وقَبِلَ الشاب تحمُّل هذه المسئولية، وتمَّت البيعة، ولَقَّبه والده بـناصر الدين، واقترحوا عليه أن يكون سلطانًا، ولكنَّه اختار لقب الأمير، وبذلك خرج إلى الوجود الأمير عبد القادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسني، وكان ذلك في (13 من رجب 1248هـ= 20 من نوفمبر 1832م). وكان الأمير الشاب قد تلقَّى مجموعة من العلوم حيث درس الفلسفة، ودرس الفقه والحديث؛ فدرس صحيحي البخاري ومسلم، وقام بتدريسهما، كما تلقَّى الألفية في النحو، والسنوسية، والإتقان في علوم القرآن، وبهذا اكتمل للأمير العلم الشرعي، والعلم العقلي، والرحلة والمشاهدة، والخبرة العسكرية في ميدان القتال، وعلى ذلك فإنَّ الأمير الشابَّ تكاملت لديه مُؤَهِّلات تجعله كُفُؤًا لهذه المكانة، وقد وجَّه خطابه الأول إلى كافَّة العروش قائلًا: «... وقد قَبِلْتُ بيعتَهم (أي أهالي وهران وما حولها) وطاعتَهم، كما أني قَبِلْتُ هذا المنصب مع عدم ميلي إليه، مؤملًا أن يكون واسطة لجمع كلمة المسلمين، ورَفْعِ النزاع والخصام بينهم، وتأمين السبل، ومنع الأعمال المنافية للشريعة المطهَّرة، وحماية البلاد من العدوِّ، وإجراء الحقِّ والعدل نحو القويِّ والضعيف، واعلموا أن غايتي القصوى اتَّحاد الملَّة المحمدية، والقيام بالشعائر الأحمدية، وعلى الله الاتِّكال في ذلك كله».
اضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة مع الأمير عبد القادر؛ وهي اتفاقية «دي ميشيل» في عام (1250هـ= 1834م)، وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر؛ وبذلك بدأ الأمير عبد القادر في الاتِّجاه إلى أحوال البلاد يُنَظِّم شئونها ويُعَمِّرها ويُطَوِّرها، وقد نجح الأمير في تأمين بلاده إلى الدرجة التي عَبَّر عنها مُؤَرِّخ فرنسي بقوله: «يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردًا على رأسه تاج من ذهب، دون أن يُصيبه أذًى!!».

وعندما تولَّى عبد القادر الإمارة كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي صعبًا، لم يكن لديه المال الكافي لإقامة دعائم الدولة، بالإضافة إلى ذلك كان له معارضون لإمارته؛ ولكنَّه لم يفقد الأمل؛ إذ كان يدعو باستمرارٍ إلى وَحْدَة الصفوف، وتَرْكِ الخلافات الداخلية، ونَبْذِ الأغراض الشخصية، وكان يعتبر منصبه تكليفًا لا تشريفًا، وفي نداء له بمسجد معسكر خطبَ قائلًا: «إذا كنتُ قد رضيتُ بالإمارة؛ فإنَّما ليكون لي حقُّ السير في الطليعة والسيرِ بكم في المعارك في سبيل الله، الإمارةُ ليست هدفي؛ فأنا مستعدٌّ لطاعة أيِّ قائد آخر تَرَوْنَهُ أجدرَ منِّي، وأقدر على قيادتكم؛ شريطة أن يلتزم خدمة الدِّينِ وتحرير الوطن».

جعل الأمير وَحْدَة الأُمَّة هي الأساس لنهضة دولته، واجتهد في تحقيق هذه الوحدة، رغم عراقيل الاستعمار والصعوبات التي تلقَّاها من بعض رؤساء القبائل، الذين لم يكن وعيهم السياسي في مستوى عظمة المهمَّة، وكانت طريقة الأمير في تحقيق الوحدة هي الاقتناع أولاً، وعندما لا ينفع أسلوب التذكير والإقناع، يُشهر سيفه ضدَّ مَنْ يخرج عن صفوف المسلمين، أو يُساعد العدوَّ لتفكيك المسلمين، وقد استصدر الأمير فتوى من العلماء تُساعده في محاربة أعداء الدِّينِ والوطن .

كان الأمير يرمي إلى هدفين: تكوين جيش مُنَظَّم، وتأسيس دولة مُوَحَّدة. وكان مساعدوه في هذه المهمة مخلصين ، وقبل أن يمرَّ عام على اتفاقية «دي ميشيل» نقض القائد الفرنسي الهدنة، وناصره في هذه المرَّة بعض القبائل في مواجهة الأمير عبد القادر، ونادى الأمير في قومه بالجهاد، ونَظَّم الجميع صفوف القتال، وكانت المعارك الأولى رسالة قوية لفرنسا؛ وخاصَّة موقعة «المقطع»؛ حيث نزلت بالقوات الفرنسية هزائم قضت على قوَّتها الضاربة تحت قيادة تريزيل الحاكم الفرنسي . ولكنَّ فرنسا أرادت الانتقام؛ فأرسلت قواتٍ جديدةً وقيادةً جديدةً، واستطاعت القوات الفرنسية دخول عاصمة الأمير -وهي مدينة معسكر- وأحرقتها، ولولا مطر غزير أرسله الله في هذا اليوم ما بقي فيها حجر على حجر، ولكنَّ الأمير استطاع تحقيق مجموعة من الانتصارات دفعت فرنسا إلى تغيير القيادة من جديد؛ ليأتي القائد الفرنسي الماكر الجنرال بيجو؛ ولكنَّ الأمير نجح في إحراز نصر على القائد الجديد في منطقة وادي تافنة، أجبر القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة؛ عُرفت باسم معاهد تافنة في عام (1243هـ= 1837م).

وعاد الأمير إلى إصلاح حال بلاده وترميم ما أحدثته المعارك بالحصون والقلاع، وتنظيم شئون البلاد، وفي الوقت نفسه كان القائد الفرنسي بيجو يستعدُّ بجيوش جديدة، ويُكَرِّر الفرنسيون نقض المعاهدة في عام (1255هـ= 1839م)، وبدأ القائد الفرنسي في اللجوء إلى الوحشية في هجومه على المدنيين العُزَّل؛ فقتل النساء والأطفال والشيوخ، وحرق القرى والمدن التي تُساند الأمير، واستطاع القائد الفرنسي أن يُحَقِّق عدَّة انتصارات على الأمير عبد القادر، فاضطر الأمير إلى اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى ،وبدأ الأمير سياسة جديد في حركته؛ إذ يُسارع في تجميع مُؤَيِّديه من القبائل، ولمَّا أراد الاستعانة بشيوخ الطريقة التيجانيَّة في طرد الفرنسيين، رفضوا الانخراط في جيشه، تمشِّيًا مع رُوح صوفيَّتِهم التي تأبى التدخُّل في السياسة، فقام بعدَّة حملات على مركز التيجانيَّة في عين ماضي التي قاومت هذه الحملات. وعندما غدر به الفرنسيُّون سنة (1251هـ= 1835م) وخرقوا معاهدة دي ميشيل، حاولوا التفريق بينه وبين رجاله، ولكنهم باءوا بالفشل، فاستخدموا أسلوب الحرب التخريبيَّة بتدمير المحاصيل الزراعيَّة، وتدمير المدن الرئيسيَّة، وأقصوه بعد أربع سنوات من النضال، إلَّا أنه لم يستسلم، والتجأ مع إخوانه إلى مَرَّاكُش سنة (1259هـ= 1843م)، ثم عاد إلى الجزائر، وقاد حركة الأنصار. 

هُزم الأمير عبد القادر بالخيانة شأن كل معارك المقاومة في العالم الإسلامي كما حدث مع الشيخ عمر المختار وغيره ، فهاجمته العساكر المراكشيَّة من خلفه، فرأى من الصواب الجنوح للسلم، وشاور أعيان المجاهدين على ذلك، وأَسَرَهُ المحتلُّون سنة (1263هـ= 1847م) وأرسلوه إلى فرنسا. ظلَّ الأمير عبد القادر في سجون فرنسا يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام (1268هـ= 1852م)، ثم استدعاه نابليون الثالث بعد تولِّيه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليُقَابِلَ وزراء ووجهاء فرنسا، ويتناول الأميرُ الحديث في كافَّةَ الشئون السياسية والعسكرية والعلمية؛ ممَّا أثار إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي الأمير لكي يتَّخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا له، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية. ومكث فى إسطنبول فترة حيث السلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقرَّ به المقام في دمشق منذ عام (1272هـ= 1856م)، وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام بالتدريس في المسجد الأموي، كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسة الأشرفية، وفي المدرسة الحقيقية.

وفي عام (1276هـ= 1860م) تتحرَّك شرارة الفتنة بين المسلمين والنصارى في منطقة الشام، ويكون للأمير دور فعَّال في حماية أكثر من 15 ألفًا من النصارى؛ إذ استضافهم في منازله.

وافاه الأجل بدمشق في منتصف ليلة (19 من رجب 1300هـ= 26 مايو 1883م) عن عمر يُناهز 76 عامًا، ، وبعد استقلال الجزائر نُقِلَ جثمانه إلى الجزائر عام (1385هـ= 1965م)، ودُفن في المقبرة العليا، وهي المقبرة التي لا يُدفن فيها إلَّا رؤساء البلاد.

ومن العجائب والطرائف أن هناك مدينة بأميركا تحمل اسم القادر "ELKADER" وهي مدينة في مقاطعة كلايتون، أيوا، بالولايات المتحدة الأميركية سميت على اسم الأمير عبد القادر الجزائري. بدأ تاريخ المدينة في عام 1845، عندما اكتشف المطور العقاري تيموثي ديفيز، الموقع على طول نهر تركيا وبدأ ببناء أربع مطاحن للدقيق، وكان ديفيس قد قرأ عن الثورة التي قادها الأمير عبد القادر ضد الفرنسيين لتحقيق استقلال الجزائر، في الصحف الأمريكية المتعاطفة مع الثورة ضد الحكم الاستعماري، ولذلك قرر تسمية بلدته الجديدة على اسم الأمير. ونال الأمير مدحا وثناءً من ابراهام لنكولن في العديد من خطاباته . رحم الله الأمير عبدالقادر الجزائرى وطيب ثراه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق